الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***
الزمان أنصح المؤدبين، وأفصح المؤذنين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه. فكم هذا التصامم والتعـامـي *** وكم هذا التغافل والتـوانـي لو أنا قد فهمنا عـن خـراب *** الديار مقالها لـم يبـن بـان ويجني العيش كل أذى ويهوى *** فيا للعيش يعشق وهو جـان فلله الأولى درجوا جمـيعـاً *** وزادهم النجاء من الـهـوان وما علقوا من الدنيا بـشـيء *** سوى بلغ بأطراف البـنـان ولما أن رضوا شعث النواصي *** تقي وهبوا التصنع للغوانـي لله در العارفين بزمانهم إذ باعوا ما شانهم بإصلاح شأنهم، ما أقل ما تعبوا وما أيسر ما نصبوا، وما زالوا حتى نالوا ما طلبوه شمروا عن سوق الجد في سوق العزائم، ورأوا مطلوبهم دون غيره ضربة لازم، وجادوا مخلصين فربحوا إذ خسر حاتم، وأصبحوا منزل النجاة وأنت في اللهو نايم، متى تسلك طريقهم، يا ذا المآثم؟ متى تندب الذنوب؟ ندب المآتم، يا رجالاً ما بانت رجوليتهم إلا بالعمايم. يا أخوان الأمل قد بقي القليل وتفنى المواسم، أين أنت من القوم؟ ما قاعد كقائم. للمهيار: صحب الله راكبين إلى الـعـز *** طريقاً من المـخـافة وعـرا شربوا الموت في الكريهة حلواً *** خوف أن يشربوا من الضيم مُرّا أنف القوم من مزاحمة الخلق في سوق الهدى، وقوي كرب شوقهم فلم يحتملوا حصر الدنيا، فخرجوا إلى فضاء العز في صحراء التقوى، وضربوا مخيم الجد في ساحة الهدى، وتخيروا شواطي أنهار الصدق فشرعوا فيها مشارع البكا، وانفردوا بقلقهم فساعدهم ريم الفلا، وترنمت بلابل بلبالهم في ظلام الدجا، فلو رأيت حزينهم لطلب الرضا، على جمر الغضا، فيا محبوساً عنهم في سجن الحرص والمنى، إن خرجت يوماً من سجنك لترويح شجنك. من غم البلوى عرج بذاك الوادي. للشريف الرضي: عارضا بي ركب الحجاز أسائله*** متى عـهـده بـأيام سـلـعِ واستملاّ حديث من سكن الخيف*** ولا تكتـبـاه إلا بـدمـعـي فاتني أن أرى الديار بطرفـي*** فلعلي أعي الديار بسمـعـي كلما سُلَّ من فـؤادي سـهـمٌ*** عاد سهم لهم مضيض الوَقْـعِ من معبد أيام جمع علـى مـا*** كان منهـا وأين أيام جـمـع طالب بالعراق ينشد هـيهـات*** زماناً أضـلـه بـالـجـزع يا معوقاً عنهم بكثرة الحوادث، خلص الماء من ضيق الأنابيب، وانظر كيف يسرع؟ إلى متى تألف عش، الصبا سافر مع الرجال. لو عبرت بطن النجف لاستنشقت ريح الحجاز، حدث نفسك بأرض نجد يهن علينا عبور العقبة، ذكرها قرب منى. وقد درجت المدرج. للمهيار: من بمنىً وأين جيران منـىً*** كانت ثلاثاً لا تكون أربـعـا سلبتموني كبـداً صـحـيحةً*** أمس فردّوها عليّ قِطَـعـا عدمت صبري فجزعت بعدكم*** ثم ذهلت فعدمت الجـزعـا ارتجعوا إلى ليلة بـحـاجـرٍ*** إن تم في الفايت أن يُرتجعـا وغفلة سرقتها من زمـنـي*** بلعلع سقى الغمام لعـلـعـا يا صبيان التوبة، هلالكم خفى، فدوموا على المعاملة يصر بدراً لا بد من ضيف "ولنبلونكم" الطبع يحن إلى المألوف، والولد يطلب ما يشتهي، والزوجة تروم سعة النفقة، والورع يختم كيس التصرف "هنالك ابتُلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً" أيدي صبيان التوبة في أفواههم بعد طعم الرضاء، بينا ليل زللهم قد عسعس، إذ صبح يوم توبتهم قد تنفس، فكلما احترقت قلوبهم بالخوف، تعرضوا بنسمات الرجاء للعفو. لا عدا الروح من تهامة أنفا *** ساً إذا استروحت تمنيت نجدا يا صبيان التوبة، طبيبكم متلطف، تارة بالتشويق، وتارة بالتخويف. هذه الطير إذا انشق بيضها عن الفراخ علم الأب والأم إن حوصلة الفرخ لا تحتمل الغذاء، فينفخان الريح في حلقه لتتسع الحوصلة، ثم يعلمان أن الحوصلة تفتقر إلى دبغ وتقوية، فيأكلان من صاروج الحيطان وهو شيء فيه ملوحة كالسبخ، ثم يزقانه إياه، فإذا اشتدت الحوصلة زقياه الحب، فإذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع فإذا جاع لقط، فإذا رأياه قد استقل باللقط ضرباه بالأجنحة إذا سألهما الزق. فتأملوا تدبيري لكم في المواعظ، الطفل لا يصبر عن الرضاع ساعة، فإذا صار رجلاً صبر عن الطعام يومين، إنما تقع الكلفة بقدر الطاقة، لما كان الطاير يحتاج أن يزق فرخه، لم يحمل عليه إلا تدبير بيضتين، ولما كانت الدجاجة تحضن ولا تزق كان بيضها أكثر، ولما كانت الضبة لا تحضن ولا تزق صارت تبيض ستين بيضة، وتحفر لهن وتترك التراب عليهن، وبعد أيام تنبشهن فيخرجن، كلما قوي الحامل زيد في الحمل في أول مقام يقول "يحب التوَّابين" وفي أوسطه بعيني ما يتحمل المتحملون، وفي المقام الأعلى كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني. كان أبو سليمان الداراني يبكي حتى ينبت الريع من عينيه، وكان عطاء السلمي يبكي حتى لا يقدر أن يبكي. يا منفذاً ماء الجفـون *** وكنت أنفقه علـيه إن لم تكن عيني فأنت *** أعز من نظرت إليه كانوا إذا ضيق الخوف عليهم الخناق نفسوه بالرجاء، فكان أبو سليمان يقول: إلهي إن طالبتني بذنوبي طالبتك بكرمك، وإن أسكنتني النار بين أعدائك لأخبرنهم أني كنت أحبك، وكان يحيى بن معاذ يقول: إن قال لي يوم القيامة عبدي ما غرك بي، قلت: إلهي برك بي. تجاسرت فكاشفتـك*** لما غلب الصـبـر فإن عنفني الـنـاس*** ففي وجهك لي عذر لأن البدر محـتـاج*** إلى وجهك يا بـدر أخواني: الدنيا غرارة غدارة، خداعة مكارة، تظن مقيمة وهي سيارة، ومصالحة وقد شنت الغارة. نح نفساً عن القبيح وصنهـا*** وتوق الدنيا ولا تأمننـهـا لا تثق بالدني فما أبقت الدنيا*** لحى وديعة لم تخـنـهـا إنما جئتها لتستقبل المـوت*** وأسكنتها لتخرج عـنـهـا ستخلى الدنيا ومـا لـك إلا*** ما تبلغت أو تزودت منهـا وسيبقى الحديث بعدك فانظر*** خير أحدوثة تكون فكنهـا كأنك الموت وقد خطف، ثم عاد إلى الباقي وعطف، تنبه لنفسك يا ابن النطف، فقد حاذى الرامي الهدف، إلى كم تسير في سرف؟ ليت هذا العزم وقف، تؤخر الصلاة ثم تسيئها كالبرق إذا خطف، أتجمع سوء كيلة مع حشف؟ الجسد أتى والقلب انصرف، يا من باع الدر واشترى الخزف، أبسط بساط الحزن على رماد الأسف عليك حافظ وصابط، ليس بناس ولا غالط، يكتب الألفاظ السواقط وأنت في ليل الظلام خابط. يا من شاب إلى كم تغالط؟ ابك ما مضى ويكفي الفارط، ما للعيون قد أخلفت أنواؤها؟ وكثر نظرها إلى الحرام فقل بكاؤها، ما للقلوب المريضة؟ قد عز شفاؤها، سأكتب ضمان الآمال وأين وفاؤها؟ آه لأمراض نفوس قد يئس طبيبها، ولأصوات مواعظ قد خرس مجيبها، هبت والله دبور الذنوب فتركت الأجسام بلا قلوب، أين الفهم والتأمل؟ إن لم يكن جميل فليكن تجمل، أخواني قد دنا الترحل، لا بد وشيكاً من التحول. رقيبكم يا غافلين لا يغفل، أتذكرون الذنوب بلا تململ، يا من يعد بالتوبة كم تمطل؟ يا ملازماً للهوى كم تعدل؟ المعاصي سم والقليل منه يقتل. يا هذا الدنيا وراءك والأخرى أمامك، والطلب لما وراءك هزيمة. إنما يعجب بالدنيا من لا فهم له، كما أن أضغاث الأحلام تسر النائم لعب الخيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العقل فيعلم ما وراء الستر. رأيت خيال الظل أكبر عبـرة *** لمن هو في علم الحقيقة راق شخوص وأشباح تمر وتنقضي *** جميعاً وتفنى والمحرك باقي كم أتلفت الدنيا بيد حبها في بيد طلبها، كم ساع إليها سعي الرخ ردته معكوساً رد الفرازين، الدنيا نهر طالوت، والفضائل تنادي: "فمن شرب منه فليس مني" فإذا قامت الفاقة مقام ابن أم مكتوم أبيحت لها رخصة "إلا من اغترف" فأما أهل الغفلة فارتووا، فلما قامت حرب الهوى، ثبطتهم البطنة، فنادوا بألسنة العجز "لا طاقة لنا" وأقبل مضمن الجد فحاز قصب السبق، كل الشر في الشره، واللذة خناق من عسل، من تبصر تصبر، الحزم مطية النجح، الطمع مركب التلف، التواني أبو الفقر، البطالة أم الخسران، التفريط أخو الندم، الكسل ابن عم الحسرة، ما يحصل برد العيش إلا بحر التعب، ما العز إلا تحت ثوب الكد، على قدر الاجتهاد تعلو الرتب، لما صابر النضو مشقة السير معرضاً عن أعرض المطاعم، زين بالجلال يوم العبد، ولما تكاسلت البخاتي ميلاً إلى كثرة العلف وقع ببختها الذبح، سابق الطير مكرم، والديك الحاذق بالصباح مطلق، إذا صب في القنديل ماء ثم صب عليه زيت صعد الزيت فوق الماء، فيقول الماء: أنا ربيت شجرتك فأين الأدب؟ لم ترتفع علي؟ فيقول الزيت: أنت في رضراض الأنهار تجري على طريق السلامة، وأنا صبرت على العصر وطحن الرحا وبالصبر يرتفع القدر، فيقول الماء: ألا أني أنا الأصل، فيقول الزيت: استر عيبك فإنك لو قارنت المصباح انطفأ. يا بعيداً عن المجاهدة قد اقتسم الرعيل الأول النفل، أما ترى أسلاب الهوى كيف يبيعها أربابها في سوق الافتخار بالنض "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب". يا من قد انحرف عن جادتهم، كم أحركك بسوط الشوق في شوط السوق، سهم عزمك بلا ريش، إنما يقع الرمي بين يديك. يا مخنث العزيمة أقل ما أبقى في الرقعة البيذق، فلما نهض تفرزن، رأى بعض الحكماء برذونا سيتقي عليه، فقال لو هملج هذا لركب، متى همت أقدام العز بالسلوك اندفع من بين يديها ما يسد القواطع، ومتى هاب الغايص موج البحر لم يطمح له في نيل الدر، يا من عقد عزمه بأنشوطة، والهوى يمدها للحل، إن عزفت من عزيمتك الثبوت في صف المجاهدة، وإلا فاحذر هتكة الهزيمة. كان ذو البجادين يتيماً، فلما عمه الفقر كفله عمه، فنازعته النفس إلى الإسلام، فهم بالنهوض، فإذا بقية المرض مانعة، فقعد على انتظار العم، فانتهى المرض، فصارت الهمة عزيمة، فنفذ الصبر فناداه صدق الوجد. للمهيار: إلى كم حبسها تشكو المضـيقـا*** إثرها ربما وجـدت طـريقـا أجلْها تطلب القصوى ودعْـهـا*** سُدىً يرمي الغروبُ بها الشروقا أتعقلها وتقـنـع بـالـهـوينـا*** تكون إذن بذلّتـهـا خـلـيقـا ولم يشفق على حـسـبٍ غـلام*** يكون على ركائبـه شـفـيقـا فقال: يا عم كيف انتظر سلامتك بإسلامك وما أرى زمن زمنك ينشط، فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك، فصاح لسان الشوق نظرة من محمد أحب إلي من الدنيا وما فيها، هذا مذهب المحبين، إجماعاً من غير خلاف: ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها *** تريد أم الدنيا وما في خباياها لقال تراب من غبار نعالـهـا *** ألذ إلى نفسي وأشفى لبلواها فلما تجرد لطلب الثواب، جرده العم من الثياب، فناولته الأم بجاداً فقطعه لسفر الوصل، فائتزر وارتدى، وغدا في هيئة "ربَّ أشعثَ أغبر": سنة الأحباب واحدة *** فإذا أحببت فاستنن فنادى صائح الجهاد في جيش العسرة، فتبع ساقة الأحباب على ساق، والمحب لا يرى طول الطريق إنما يتلمح المقصد: ألا أبلغ الله الحمى مـن يريده *** وبلغ أكتاف الحمى من يريدها فحمل جلدة فوق جلدة، إلى أن نزل منزل التلف، فنزل الرسول في حفرته يمهد له اللحد لمأمور "إذا رأيت لي طالباً، فكن له خادماً" وجعل يقول: اللهم، إني أمسيت راضياً عنه فارض عنه، فصاح ابن مسعود: ليتني كنت صاحب الحفرة: كذاك الفخر يا همم الرجال *** تعالَيْ فانظري كيف التعالي أيتها النفس، أقلعي عن الجناح وتوبي، وراجعي إلى الصلاح وأوبي، أيتها النفس قد شان شاني عيوبي، أيتها الجاهلة تكفيني ذنوبي: يا ويح نفسي من تتابع حوبـتـي *** لو قد دعاني للحساب حسـيبـي فاستيقظي يا نفس ويحك واحذري *** حذراً يهيج عبرتي ونـحـيبـي واستدركي ما فات منك وسأبقى *** سطوات موت للنفوس طلـوب وابكي بكاء المستغيث واعولـي *** إعوال عان في الوثاق غـريب هذا الشباب قد اعتللت بلـهـوه *** أفليس ذا يا نفس حين مشـيبـي هذا النهار يكـر ويحـك دائبـاً *** يجري بصرف حوادث وخطوبِ هذا رقيب ليس عنـي غـافـلاً *** يحصي علي ولو غفلت ذنوبـي أوليس من جهـل بـأنـي نـائم *** نوم السفيه وما ينـام رقـيبـي آه لنفسي تركت يقينها وتبعت آمالها، ما لها؟ جهلت ما عليها وما لها، أما ضربت العبر؟ بأخذ أمثالها أمثالها، من لها؟ إذا نازلها الموت فغالها، وأخذ منها ما نالها وقد أنى لها، ليتها تفقدت أمورها، أو شهدت أحوالها، تحضر المجالس بنية، فإذا قامت بدا لها، ويحها لو ترى أجزآءا من مالها لهالها. لابن المعتز: وكم دهى المرء من نفسـه *** فلا تؤكلـن بـأنـيابـهـا وإن مكنت فرصة في العدو *** فلا تبدو فعلـك إلا بـهـا قال أبو زيد: رأيت الحق في المنام، فقلت: يا رب كيف أجدك؟ قال: فارق نفسك وتعال. جاء رجل إلى أبي علي الدقاق، فقال: قد قطعت إليك مسافة، فقال: ليس هذا المر بقطع المسافات، فارق نفسك بخطوة وقد حصل لك مقصود، لو عرفت منك نفسك التحقيق لسارت معك في أصعب مضيق، لكنها ألفت التفاتك، فلما طلبت قهرها، فاتك، هلا شددت الحيازم، وقمت قيام حازم، وفعلت فعل عازم، وقطعت على أمر جازم، تقصد الخير ولكن ما تلازم: ويعرف أخلاق الجـبـان جـوادُه *** فيجهده كـراً ويرهـبـه ذعـرا ومن كل تطلاب المعالي بصـدره *** بحد حلو ما يعطاه من غير هامرا حريم العزم الصادق حرام على المتردد، متى تحزم العزم هزم، لو رأيت صاحب العزم وقد سرى حين رقدت السراحين، بهمة تحل فوق الفرقد فلنفسه نفاسة ولإنفه إنفة، سهم الشهم مفوق عرضة الغرض. كان الفضيل ميتاً بالذنوب، وابن أدهم مقتولاً بالكبر، والسبتي هالكاً بالملك، والجنيد من جيد الجند، فنفخ في صور المواعظ، فدبت أرواح الهدى في موتى الهوى، فانشقت عنهم قبور الغفلة، وصاح إسرافيل الاعتبار "كذلك يحيي الله الموتى" إنما سمع الفضيل آية، فذلت نفسه لها واستكانت، وهي "كانت" إنما زجر ابن أدهم بكلمة كلمت قلبه فانقلب، هايف عاتبه ولام أخرجه من بلخ إلى الشام كانت عقدة قلوبهم بأنشوطة، ومسد قلبك كله عقد، لاحت للقوم، جادة السلوك "قالوا ربنا الله ثم استقاموا". هيهات منك غبار ذلك الموكب، ركبوا سفين العزم فهبت لهم رياح العون، فقطعوا بالعلم لجج الجهل، فوصلوا إلى إقليم أرض الفهم فأرسلوا على ساحل بلد الوصل، إذا استصلح القدر أرض قلب قلبها بمحراث الخوف وبذر فيها حب المحبة، وأدار لها دولاب العين، وأقام ناطور المراقبة، فتربى زرع التقى على سوقه، أصفهم عند من؟ انثر الدر على دمن: بلغ سلامي بالغوير جيرة*** قلبي وإن حالوا إليهم تائق فارقتهم كرهاً وليت أنني*** للروح من دونهم مفارق ولست أنساهم وإن تقطعت*** بالبعد فيما بيننـا عـلايق يا نفس، عند ذكر الصالحين تبكين، وعند شرح جدهم تأنين، وإذا تصورت طيب عيشهم تحنين، فإذا عرفت قيامهم بالخدمة تنكبين. للمهيار: أمن خفوق البرق ترزمينـا*** حِنِّي فما أمنعك الحنـينـا سيري يميناً وسراك شـأمةً*** فضلة ما تتـلـفّـتـينـا نعم تُشاقين وأشـتـاق لـه*** ونعلن الوجد وتكتـمـينـا فأين منا اليوم أو منك الهوى*** وأين نجد والمـغـوِّرينـا لما اشتغل القوم بإصلاح قلوبهم أعرضوا عن إصلاح أبدانهم، عري أويس حتى جلس في قوصرة، وقدم بشر من عبادان وهو متشح بحصير. للسموءل: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه *** فكـل رداء يرتـديه جـمـــيل وإن هو ل يحمل على النفس ضيمها *** فليس إلى حسن الثـنـاء سـبـيل كان أويس يلتقط النوى فيبيعه بما يفطر عليه، فإذا أصاب حشفة ادخرها لإفطاره، ويجمع الخرق من المزابل فيغسلها في الفرات ويرقعها ليستر عورته، ويفر من الناس فلا يجالسهم، فقالوا مجنون، لا تصح المحبة، حتى يمحي الاسم المعروف، باسم متجدد، فإن اسم قيس نسي، وعرف بالمجنون: لولا جنوني فـيك مـا *** قعد العواذل لي وقاموا أولى يلوم العـاذلـون *** وليس لي قـلـي يلام بني أهل أويس له بيتاً على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنون لا يرون له وجهاً، وكان إذا خرج يمشي ضرب الصبيان عقيبه بالحجارة حتى تدمي، وهو ساكت ولسان حاله يقول: ولقيت في حبيك ما لم يلقـه *** في حب ليلى قيسها المجنون لكنني لم أتبع وحش الـفـلا *** كفعال قيس والجنون فنـون لقي بعض الجند إبراهيم بن أدهم في البرية، فقال له: أين العمران؟ فأومى بيده إلى المقابر، فضربه فشج رأسه، فقيل له: هذا ابن أدهم فرجع يعتذر إليه فقال له إبراهيم: الرأس الذي يحتاج إلى اعتذارك تركته ببلخ: عزى ذلي وصحتي في سقمـي *** يا قوم رضيت بالهوى سفك دمي عذالي كفوا فمن ملامي ألـمـي *** من بات على وعد اللقا لـم ينـم مر رجل بابن أدهم وهو ينظر كرماً فقال: ناولني من هذا العنب فقال ما أذن لي صاحبه، فقلب السوط وضرب رأسه، فجعل يطأطئ رأسه، ويقول: اضرب رأساً طالما عصى الله: من أجلك قد جعلت خدي أرضاً*** للشامت والحسود حتى ترضى مولاي إلى متى بهذا أحـظـى*** عمري يفنى وحاجتي ما تقضى لو قطعني الغـرام إربـاً إربـاً*** ما ازددت على الملام إلا حبـا لا زلت بكم أسير وجد صـبـا*** حتى أقضي على هواكم نحبـا كان ابن أدهم يستغيث من كرب وجده، ويبول الدم من كثرة خوفه، فطلب يوماً سكوناً من قلقه، فقال: يا رب إن كنت وهبت لأحد من المحبين لك ما يستريح به، فهب لي، فقيل له في نومه: وهل يسكن محب بغير حبيبه؟ الجسم يذيبه الأسى والسـهـد*** والقلب ينوبه الجوى والكمد هم قد وجدوا وهكذا ما وجدوا*** ما جن بهم مثل جنوني أحـد شوق وجوى ونار وجد تقـد*** مالي جلد ضعفت ما لي جلد عجباً لذكر الموت كيف يلهو؟ ولخائف الفوت وهو يسهو، ولمتيقن حلول الليل ثم يزهو، وإذا ذكرت له الآخر مر يلغو. لأبي العتاهية: إني أرقت وذكر الموت أرَّقني*** فقلتُ للدمع: أسعدني فأسعدني إن لم أبك لنفسي مشعراً حزنـاً*** قبل الممات ولم آسف لها فمن يا من يموت ولم تحزنه موتتـه*** ومن يموت فما أولاه بالحـزن لمن أثْمِّرُ أموالي وأجمِّـعـهـا*** لمن أروح لمن أغدو لمن لمن لمن سيرفع بي نعشي ويتركني*** في حفرتي ترب الخدين والذقن يا غافلاً عن الموت وقد لدغه، أخذ قرينه فقتله ودمغه، تأمل صنع الدهر بالرأس إذ صبغه، بأي حديث ترعوي أو بأي لغة؟ كم رأيت مغروراً قبلك؟ كم شاهدت منقولاً مثلك؟ من أباد أقرانك؟ ومن أهلك أهلك؟ لقد نادى الموت وقال: أخذتم أماني يا أهل الأماني والآمال، أين من كان في روح وسعة؟ نقلته إلى مكان ما وسعه، أين من كان يسري آمناً في سربه، أما قيل للتلف؟ خذه وسر به، أما عاقبة الألفة فرقة؟ أما آخر جرعة اللذة شرقة؟ أما ختما الفرح قلق وحرقة؟ أما زاد ذي المال إلى القبر خرقة؟ أعِرْ سمعك الأصوات، فهل تسمع إلا فلاناً مات؟ أجل بصرك في الفلوات فهل ترى إلا القبور الدارسات؟ قوض الموت طود عزهم الشا *** مخ قسراً والدهر ذو حدثـان واستـرد الـذي أعـار ولـلأ *** يام ظهراً خـشـونة ولـيان وإذا صاح صايح الموت في قو *** م غدوا كل واحد في مـكـان يا ساكناً مسكن من قد أزعج، يا شارباً فضلة من شرق، تصحو في المجلس ساعة من خمار الهوى، ثم تسليك حميا الكأس، هيهات ليس في البرق اللامع مستمتع لمن يخوض الظلمة، كم أعطف عطفك بلجام العظة إلى عطفة اليقظة، فإذا انقضى المجلس عاد الطبع "ثانيَ عطْفِه" وتأبى الطباع على الناقل يا من قد لجج في لجة الهوى، قارب الساحل في قارب، دنا رحيل الرفقة وما اشتريت للمير قوت ليلة، كلما جد اللعب فتر النشاط في الجد، صحح نقدة عملك فقد انقرضت أيام الأسبوع، جوّد غزل عزمك، فلربما لم تسامح وقت الوزن، صابر غبش العيش فقد دنا فجر الأجر. انتبه الاغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان؟ مد بحر القدرة، فجرى بمراكب الصور، فرست على ساحل إقليم الدنيا فعاملت في موسم الحياة مدة الجزر، ثم عاد المد فرد إلى برزخ الترب، فقذف محاسن الأبنية في حفر اللحود، وسيأتي طوفان البعث عن قرب، فاحذر أن تدفع دونك سفينة النجاة، فتستغيث وقت الفوت ولا عاصم كأنك بك في قبرك، على فراش الندم وأنه والله لأخشن من الجندل. فازرع في ربيع حياتك قبل جدوبة أرض شخصك، وادخر من وقت قدرتك لزمان عجزك، واعتبر رحلك قبل رحيلك، مخالفة الفقر في القبر إلى لازم الأخذ "أن تقول نفسٌ يا حسرتا". يا هذا. مثل لنفسك صرعة الموت، وما قد عزمت أن تفعل حينئذ وقت الأسر، فافعله وقت الإطلاق. لقيس بن ذريح: أتبكي على لبنى وأنت تركتهـا *** فكنت كآت حتفه وهو طـائع فيا قلب خبرني إذا شطت النوى *** بلبنى وبانت عنك ما أنت صانع كأنك بحرب التلف قد قامت على ساق، وانهزمت جيوش الأمل وإذا بملك الموت قد بارز الروح، يجتذبها بخطاطيف الشدائد من تيار أوتار العروق، وقد أوثق كتاف الذبيح، وحار البصر لشدة الهول وملائكة الرحمة عن اليمين، قد فتحوا أبواب الجنة، وملائكة العذاب عن الشمال قد فتحوا أبواب النار وجميع المخلوقات تستوكف الخبر، والكون كله قد قام على صيحة، إما أن يقال: سعد فلان، أو شقي فلان، فحينئذ تتجلى أبصار "الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري" ويحك تهيأ لتلك الساعة، حصل زاداً قبل العوز. للصمة القشيري: تمتع من شميم عرار نجد *** فما بعد العشية من عرار وا أسفاه من حياة على غرور، وموت على غفلة، ومنقلب إلى حسرة، ووقوف يوم الحساب بلا حجة. يا هذا، مثل نفسك في زاوية من زوايا جهنم وأنت تبكي أبداً، وأبوابها مغلقة وسقوفها مطبقة وهي سوداء مظلمة، لا رفيق تأنس به، ولا صديق تشكو إليه، ولا نوم بريح ولا نفس، قال كعب إن أهل النار ليأكلون أيديهم إلى المناكب، من الندامة على تفريطهم، وما يشعرون بذلك. يا مطروداً عن الباب، يا مضروباً بسوط الحجاب، لو وفيت بعهودنا، ما رميناك بصدودنا، لو كاتبتنا بدمع الأسف، لعفونا عن كل ما سلف. ولو أنهم عند كشف القنـاع*** وحل العقود ونقض العهودِ وخلعهم لـعـذار الـحـياء*** ولبسهم لبـرود الـصـدودِ أناخوا بأبـوابـنـا سـاعة*** وأجروا مدامعهم في الخدودِ لعدنا سراعاً إلى وصلـهـم*** وقلنا قلوب المحبين عودي
|